تقرير الهيأة حول التغطية الإعلامية لمشروع قانون مالية 2014 في وسائل الاتصال السمعي البصري
تشكل فترة تقديم مشروع قانون المالية محطة سنوية هامة في الحياة السياسية للبلدان الديمقراطية، لما تشهده من نقاشات داخل البرلمان حول السياسات العمومية والتدابير والإجراءات المتخذة من قبل القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية.فهي مناسبة لتفعيل الرقابة البرلمانية على السياسات الحكومية وتمويلها (أي السياسات). وهي أيضا من أقوى اللحظات للترافع بين مختلف التيارات السياسية ما بين مدافع عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحكومية ومنتقد لها.
إن هذه النقاشات من شأنها عكس مختلف تيارات الفكر والرأي سواء الممثلة داخل البرلمان أو خارجه. ومن هنا تبدو أهمية دور وسائل الاتصال السمعي البصري، وخاصة منها العمومية، بحكم وظيفتها الإعلامية، في نقل هذا النقاش المتعدّد إلى العموم، وتعريف المواطن بقانون المالية وبمقتضياته، وتبسيطها والتحسيس بأهميتها سواء بالنسبة للاقتصاد الوطني أو انعكاسه على المعيش اليومي للمواطن.
واعتبارا للمهام المسندة دستوريا إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الفصلان 28 و165 من الدستور)، وانطلاقا ممّا تنصّ عليه دفاتر تحملات الخدمات السمعية البصرية، وخاصة العمومية منها، من ضمان للتعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي، والإخبار الآني عن كل الأحداث ذات البعد الوطني التي تستأثر باهتمام الرأي العام والتطورات الطارئة عليها، وتوفير عناصر الفهم والتحليل والتفسير للمواطنات والمواطنين لتمكينهم من ممارسة حريتهم في التقييم والرقابة على الشأن العام، ومن ممارسة حقوقهم الأساسية وواجباتهم الوطنية، بادرت الهيأة إلى إنجاز تقرير لرصد وتحليل التغطية التي خصّصتها وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية والخاصة للمعالجة الإعلامية لهذا الحدث الهام، طيلة الفترة الممتدة من تاريخ تقديم مشروع قانون المالية[1] أمام البرلمان (23 أكتوبر 2013) إلى تاريخ المصادقة النهائية عليه (31 دجنبر 2013).
وينقسم التقرير إلى جزأين، حيث يعرض الجزء الأول المعطيات الكمية للتغطية التي قدمتها مختلف وسائل الاتصال السمعي البصري المعنية، العمومية والخاصة، سواء في البرامج الحوارية والمجلات الإخبارية أو في النشرات الإخبارية، وذلك من حيث العدد والحجم الزمني.
أمّا الجزء الثاني فيتوقف عند أهم التيمات والمواضيع المعالجة والقضايا الإشكالية المثارة في التغطية الإعلامية المقدمة من طرف القنوات التلفزية ذات البرمجة العامة (القناة الأولى، القناة الثانية، قناة ميدي 1 تي في[2] وقناة تمازيغت).
1 المعطيات الكمية للتغطية الإعلامية للمشروع من طرف الخدمات العمومية والخاصة
بلغت المدة الزمنية التي خصصت لتغطية مناقشة المشروع لسنة 2014 ما مجموعه 46 ساعة تقريبا، أي أقل من 3% من مجموع الحيز الزمني لفئة البرامج الإخبارية[3] التي بثتها جميع الخدمات التلفزية والإذاعية العمومية (26:34:15)والخاصة (13:30:39)، طيلة أن اسة:ة لمشروع قانون مالية 2014خصّصت للموضوع ال السمعي البصري العمومية والخاصة فترة عرض المشروع على المناقشة البرلمانية (70 يوميا).
و نظرا لكون بعض هذه الخدمات أولت المشروع، طيلة الفترة المعنية بالتقرير، حيزا زمنيا ضعيفا، فقد تمّ الاقتصار على تتبع الخدمات التي خصّصت أكثر من نصف ساعة لتغطية الموضوع في المجلات الإخبارية، وأكثر من ربع ساعة لتغطيته في النشرات الإخبارية.
وبلغ الحيز الزمني الذي خُصّص لتغطية المشروع في البرامج الحوارية والمجلات الإخبارية من طرف تسع خدمات[4]، ما مجموعه 22:11:24. أمّا في مجموع النشرات الإخبارية فبلغ الحيز الزمني الإجمالي المخصص لتغطية المشروع من طرف الخدمات التي خصّصت أكثر من ربع ساعة لتغطية الموضوع ثلاث عشرة خدمة[5] 20:40:06.
أمّا مدّة تناول الكلمة، من طرف الفاعلين السياسيين فمثلت نسبة 61,54% من مجمل مدة المداخلات في البرامج الحوارية والمجلات الإخبارية، وحوالي 72% في النشرات الإخبارية، وتوزع باقي الحيز الزمني بين المنظمات النقابية والمهنية والأساتذة الجامعيين والخبراء الاقتصاديين.
ويلاحظ أنّ الخدمات الإذاعية والتلفزية اعتمدت في تغطيتها على تقارير مختصرة يتلوها مقدمو النشرات أكثر منه على الروبورطاجات وضيوف النشرة. فمن أصل 22 ساعة تقريبا مدة بث خصّصت للمشروع، بلغت تصريحات مختلف الفاعلين 8:37:56، مسجلة انخفاضا بحوالي ساعتين مقارنة مع تغطية السنة الماضية.
أمّا بالنسبة للشخصيات العمومية النسائية، فأعطيت الكلمة في مجموع الخدمات السمعية البصرية لـ48 شخصية عمومية نسائية من بين 220 شخصية عمومية. وبلغت مدة تناول الكلمة من طرف الشخصيات النسائية في مجموع هذه الخدمات 3:44:40 أي ما يمثل 16% من مجموع مداخلات الشخصيات العمومية.
2. تغطية القنوات التلفزية ذات البرمجة العامة للمشروع[6]
1.2 في البرامج الحوارية والمجلات الإخبارية
بلغ الحجم الزمني الإجمالي الذي خصّصته القنوات الأربع، طيلة السبعين يوما، لتغطية المشروع في برامجها الحوارية ومجلاتها الإخبارية أقل من ثمان ساعات (7:42:34)، أي بنسبة 7,31% من المدة الزمنية الإجمالية للبرامج المقدمة في بث أول لهذا الصنف من البرامج. ويستخلص من هذه التغطية مجموعة ملاحظات نعرض لأهمها كالتالي:
- تمّ تناول الموضوع أساسا في البرامج المخصصة لتغطية أنشطة البرلمان، ويتعلق الأمر ببرنامجي "شؤون برلمانية" في "الأولى" و"مجلة البرلمان" في "الثانية". بالنسبة للبرنامج الأول، فإن من بين تسع حلقات بثت خلال الفترة المعنية بالتقرير تمّ التطرق للموضوع في ست حلقات، أما الثاني، فإن من بين عشر حلقات تمّ التطرق إليه في ثمان حلقات.
- لم تتناول البرامج الإخبارية والحوارية من الحجم الكبير (52 دقيقة)، المتميزة بتعدد وتنوع ضيوفها وإدراجها للروبورطاجات، المشروع بالنقاش إلا في ثلاث برامج. ويتعلق الأمر بـ"قضايا وآراء" في قناة "الأولى"، و"طريق المواطنة" في قناة "تمازيغت" و"ملف للنقاش" في قناة "ميدي 1 تي في"، حيث خصصت كل قناة حلقة وحيدة من هذه البرامج لموضوع قانون المالية.
- اعتمدت القنوات في تغطيتها لمناقشات المشروع على البرلمانيين، 51 برلماني من أصل 57 شخصية عمومية استضافتها هذه القنوات في برامجها الإخبارية. بينما سُجّل ضعف حضور وجهات نظر النقابات والمنظمات المهنية والجمعيات والخبراء الاقتصاديين والجامعيين.
- لم تخصّص أي من القنوات الأربع برامج لتحسيس المواطن بأهمية قانون المالية أو لتبسيط وشرح مضامين المشروع والإجراءات التي يقترحها وانعكاسها على حياته اليومية.
2.2 في النشرات الإخبارية للقنوات الأربع
بثت القنوات التلفزية الأربع ذات البرمجة العامة، طيلة فترة المناقشة البرلمانية لمشروع سنة 2014، ما مجموعه 230 خبرا أو تقريرا إخباريا في نشراتها الإخبارية. ويشمل هذا العدد إعادات لنفس المادة الإعلامية في نشرات لاحقة لنفس القناة. وقد استبعد التقرير الإعادات واقتصر على ما تم بثه لأول مرّة، والبالغ عددها 132 مادة إعلامية؛ أكثر من نصفها عبارة عن تقارير مختصرة قرأها مقدمو النشرات دون تفاصيل ولا مداخلات.
وخصصت القنوات الأربع 16 تقريرا فقط خلال سبعين يوما لتغطية موضوعاتية تهم بعض مضامين المشروع والتدابير التي جاء بها، مع الإشارة إلى أنّ "ميدي 1 تي في" بثت لوحدها تسعة من هذه التقارير، وهمّت التعليم والسكن والنقل والبنيات التحتية بالإضافة إلى عدد من المقتضيات الضريبية.
ولم تفرد القنوات الأربع مواد إعلامية خاصة في نشراتها الإخبارية لتبسيط وشرح مضامين المشروع والإجراءات التي جاء بها إلا في 12 تقرير (أقل من 10%) من خلال تصريحات وردت ضمن روبورطاجات. وتميزت ميدي 1 تي في بتقديم "شاشات تفاعلية". أما القنوات الثلاث الأخرى فلم تستعن بضيوف لشرح وتبسيط مضامين المشروع خلال الفترة المعنية بالتقرير.
كما أظهرت نتائج التقرير أن التغطية الإعلامية للخدمات الإذاعية والتلفزية للمشروع لم تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع، ويظهر هذا على مستويين:
المستوى الأول: بالرغم من تضمّن المشروع الذي طرح للنقاش البرلماني على التقرير المرفق بمشروع الميزانية حول "ميزانية النوع الاجتماعي"، فإن البرامج الإخبارية لم تتضمّن أيّ محتوى يحيل على هذا التقرير كما أنها لم تتناول السياسات العمومية من منظور تلك المقاربة ولا آثار قانون المالية على النساء.
المستوى الثاني: ويتعلق بولوج الشخصيات العمومية النسائية للمجال الإعلامي كمتدخلات للتعبير عن آرائهن بخصوص المشروع بغض النظر عن صفاتهن، وهكذا سجل التقرير أن عدد المتدخلات النسائية بلغ 19 شخصية نسائية مقابل97 شخصية من الرجال.
وتجدر الإشارة إلى أن حضور المرأة قد ارتفع هذه السنة مقارنة مع التغطية التي خُصّصت للمشروع خلال السنة المنصرمة الذي بلغ 2:00:27، وهو ما يمثل نسبة 7,88% من مجموع مداخلات الشخصيات العمومية.
وتثير هذه التغطية مجموعة ملاحظات نعرض لبعضها في هذا التقرير التركيبي:
- يلاحظ أنّ مدة تناول الكلمة من طرف الفاعل السياسي في الروبورطاجات مثلت حوالي 75% من مجموع المداخلات. ويلاحظ عدم الانفتاح على باقي الفاعلين (مهنيين أو خبراء).
- حرصت القنوات الأربع على تحقيق التوازن بين الحكومة وأغلبيتها من جهة والمعارضة من جهة أخرى، في كلّ تقرير بثته. وعموما، فقد عمدت القنوات الأربع في 13 تقريرا إخباريا إلى تقديم مداخلات لشخصيات من الحكومة إلى جانب شخصيات من الأغلبية والمعارضة. كما وازنت بين الأغلبية والمعارضة في سبعة تقارير وبين الحكومة والمعارضة في تقريرين اثنين.
- ارتبطت التغطية الإخبارية بالمراحل التي مرّ منها مسلسل المناقشة والتصويت على المشروع. ويعكس تطور الحيز الزمني المخصص لتغطية مشروع 2014 وجود علاقة بين ارتفاع هذا الحيز الزمني وبين تداول المشروع في الجلسات التي عقدتها غرفتي البرلمان. نفس الملاحظة سجلت عند تغطية مشروع 2013، مما يعكس حرص المتعهدين على تقديم مادة إعلامية في إطار تغطية أشغال البرلمان.
خلاصات عامّة
- نسبة الحيز الزمني المخصص لتغطية مشروع قانون المالية كانت ضعيفة بالمقارنة مع مجمل المواد الإخبارية (أقل من 3% من مجموع الحيز الزمني المخصص للنشرات والبرامج الإخبارية).
- الاعتماد بالأساس على تصريحات البرلمانيين وخاصّة رؤساء الفرق واللجان البرلمانية، ممَّا يجعل من تغطية (خصوصا من طرف القنوات العمومية) مناقشة المشروع تغطية لنشاط برلماني مقيد بمساطر وجدولة زمنية محددة سلفا، الشيء الذي يحدّ من إمكانية التفاعل، إلا نادرا، مع النقاش حوله سواء داخل أو خارج البرلمان.
- قلة معالجة الإجراءات ذات التأثير المباشر على الاقتصاد الوطني وعلى دخل المواطن ومستواه المعيشي (نظام المقاصة، أنظمة التقاعد، النظام الجبائي...).
- غياب الاحالة على مقاربة النوع في التغطية الإعلامية لمشروع قانون المالية رغم تضمن المشروع لتقرير مرفق حول "ميزانية النوع الاجتماعي". أمّا من حيث حضور المرأة فقد بلغ عدد المتدخلات النسائية 19 شخصية نسائية مقابل 97شخصية من الرجال، أي بنسبة قاربت حوالي 20% من إجمالي المداخلات.
- البعد الجهوي في التغطية الإعلامية لمشروع 2014 كان غائبا، سواء في النشرات الإخبارية أو البرامج والمجلات الإخبارية، باستثناء تقرير مفصل بثته قناة "تمازيغت" من منطقة إيموزار كندر حول غياب انعكاس المشروع على المنطقة وتأهيل البنيات التحتية.
- غياب برامج ذات بعد بيداغوجي تحسيسي لتعريف المواطنين والمواطنات بأهمية قانون المالية، ولتبسيط الإجراءات الواردة فيه.
تحميل :
[1] - للاختصار سنشير إليه بعبارة "المشروع"
[2] - يشار إلى أن ميدي 1 تي في كانت تندرج خلال فترة التقرير ضمن القنوات العمومية.
[3] يقصد بفئة البرامج الإخبارية: النشرات والبرامج الحوارية والمجلات الإخبارية التي تعنى بالشأن العام والقضايا السياسية.
[4] - القناة الأولى والإذاعة الوطنية والإذاعة الأمازيغية والقناة الثانية وقناة ميدي 1 تي في وقناة تمازيغت ولوكس راديو، وإذاعة أطلانتيك وإذاعة كازا إم. إف. إم.
[5] - القناة الأولى، الإذاعة الوطنية، الإذاعة الأمازيغية، القناة الثانية، قناة ميدي 1 تي في، قناة تمازيغت، إذاعة الرباط الدولية، إذاعة أطلانتيك، إذاعة كازا إم. إف. إم.، إذاعة أصوات، راديو بلوس البيضاء، إذاعة شذى إف. إم.، ميد راديو.
[6]- الأولى، القناة الثانية، تمازيغت، ميدي1 تي في